القائمة الرئيسة  
 

  • الله سبحانه وتعالى
  • التوحيد
  • الإسلام
  • الإيمان
  • الإحسان
  • الجنة
  • النار
  • الشرك
  • الكفر
  • البدع
  • النفاق
  • الرياء
  • السحر والكهانة والعرافة
  • الردة
  • الرقى والتمائم
  • الحلف بغير الله
  • التوسل بالمخلوق إلى الله تعالى
  • حكم الاستغاثة بالمخلوق
  • بيان مايجب اعتقاده في الرسول (ص)
  • أقوال وأفعال تنافي التوحيد
  • العبادة
  • النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  •  
      التوحيد طباعة المقال  
     

    التوحيد
    هو إفرادُ الله بالخلق والتدبر، وإخلاصُ العبادة له، وترك عبادة ما سواه، وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وتنزيهه عن النقص والعيب؛ويشملُ أنواع التوحيد الثلاثة،توحيد الربوبية، توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. وبيانها كالتالي‏:‏
    1 ـ توحيد الربوبية
    هو إفرادُ الله تعالى بأفعاله؛ بأن يُعتقَدَ أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات‏:‏ ‏{‏اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الزمر/62‏]‏‏.‏
    وأنه الرازق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم‏:‏ ‏{‏وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏ ‏[‏هود/6‏]‏‏.‏
    وأنه مالكُ الملك، والمدبّرُ لشؤون العالم كله؛ يُولِّي ويعزل، ويُعزُّ ويُذل، قادرٌ على كل شيء، يُصَرِّفُ الليل والنهار، ويُحيي ويُميت‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران/26، 27‏]‏‏.‏
    وقد نفى الله سبحانه أن يكون له شريكٌ في الملك أو معين، كما نفى سُبحانه أن يكونَ له شريكٌ في الخلق والرِّزق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ‏}‏ ‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ‏}‏ ‏[‏الملك/21‏]‏‏.‏
    كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه فقال‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة/2‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف/54‏]‏‏.‏
    وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته؛ حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة؛ يقرون بتفرده بالربوبية، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/86-89‏]‏‏.‏
    فهذا التوحيدُ لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم؛ بل القلوب مفطورة على الإقرار به؛ أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات؛ كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم‏:‏ ‏{‏قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم/10‏]‏‏.‏
    وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الرب فرعون، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى‏:‏ ‏{‏قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ‏}‏ ‏[‏الإسراء/102‏]‏‏.‏
    وقال عنه وعن قومه‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا‏}‏ ‏[‏النمل/14‏]‏‏.‏
    وكذلك من يُنكرُ الربَّ اليومَ من الشيوعيين؛ إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة؛ وإلا فهم في الباطن لابد أن يعترفوا أنه ما من موجود إلا وله موجد، وما من مخلوق إلا وله خالق وما من أثر إلا وله مؤثر، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ‏}‏ ‏[‏الطور/35-36‏]‏‏.‏
    تأمل العالم كله، علويه وسفليه، بجميع أجزائه؛ تجده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه‏.‏ فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر؛ بمنزلة إنكار العلم وجحده، لا فرق بينهما ‏[‏لأن العلم الصحيح يثبت وجود الخالق‏]‏، وما تتبجح به الشيوعية اليوم من إنكار وجود الرب؛ إنما هو من باب المكابرة، ومصادرة نتائج العقول والأفكار الصحيحة، ومن كان بهذه المثابة، فقد ألغى عقله ودعا الناس للسخرية منه‏.‏
    مفهومُ كلمةِ الربِّ في القرآن والسُّنَّة وتصوُّرات الأمم الضّالَّة
    1 ـ مفهوم كلمة الرّبِّ في الكتاب والسنة
    الرّبُّ في الأصل‏:‏ مصدرُ ربَّ يَرُبُّ، بمعنى‏:‏ نشَّأ الشيءَ من حال إلى حال إلى حال التمام، يُقالُ‏:‏ ربَّه وربَّاه وربَّبَهُ، فلفظ ‏(‏رب‏)‏ مصدر مستعار للفاعل، ولا يُقالُ‏:‏ ‏(‏الرَّبُّ‏)‏ بالإطلاق؛ إلا لله تعالى المتكفل بما يصلح الموجودات، نحو قوله‏:‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة/2‏]‏، ‏{‏رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء/26‏]‏‏.‏
    ولا يقال لغيره إلا مضافًا محدودًا، كما يقال‏:‏ رب الدار؛ وربُّ الفرس‏.‏ يعني صاحبُها، ومنه قولُه تعالى حكاية عن يوسف عله السلام‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏}‏ ‏[‏يوسف/42‏]‏ على قول في تفسير الآية‏.‏
    وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏يوسف/50‏]‏‏.‏
    وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا‏}‏ ‏[‏يوسف/41‏]‏‏.‏
    وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل‏:‏ ‏(‏حتى يجدها ربها‏)‏ ‏[‏من حديث متفق عليه‏]‏‏.‏
    فتبين بهذا‏:‏ أن الرب يطلق على الله معرفًا ومضافًا، فيقال‏:‏ الرب، أو رب العالمين، أو رب الناس، ولا تُطلق كلمة الرّبِّ على غير الله إلا مضافة، مثل‏:‏ رب الدار، ورب المنزل، ورب الإبل‏.‏
    ومعنى ‏(‏رب العالمين‏)‏ أي‏:‏ خالقهم ومالكهم، ومصلحهم ومربهيم بنعمه، وبإرسال رسله، وإنزال كتبه، ومجازيهم على أعمالهم‏.‏ قال العلامة ابن القيم رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإنَّ الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم، وجزاء مُحسنهم بإحسانه، ومُسيئهم بإساءته‏)‏ .‏
    هذه حقيقة الربوبية‏.‏
    2 ـ مفهوم كلمة الرب في تصورات الأمم الضالة
    خلق الله الخلق مفطورين على التوحيد، ومعرفة الرب الخالق سبحانه، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الروم/30‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا‏}‏ ‏[‏الأعراف/172‏]‏‏.‏
    فالإقرارُ بربوبية الله والتوجه إليه أمر فطري، والشرك حادث طارئ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلُّ مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه‏)‏ ‏[‏رواه الشيخان‏]‏، فلو خُلِّيَ العبد وفطرته لاتجه إلى التوحيد وقَبِل دعوة الرسل؛ الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، ودلّت عليه الآيات الكونية، ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة هما اللتان تغيران اتجاه المولود، ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم في الضلالة والانحراف‏.‏
    يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي‏:‏ ‏(‏خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين‏)‏ ‏[‏رواه أحمد ومسلم‏]‏ أي‏:‏ صَرَفَتْهُم إلى عبادة الأصنام، واتخاذها أربابًا من دون الله؛ فوقعوا في الضلال والضياع، والتفرق والاختلاف؛ كل يتخذ له ربًّا يعبده غير رب الآخر؛ لأنهم لما تركوا الرب الحق، ابتُلُوا باتخاذ الأرباب الباطلة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏ ‏[‏يونس/32‏]‏ والضلال ليس له حدّ ونهاية، وهو لازم لكل من أعرضَ عن ربه الحق، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ‏}‏ ‏[‏يوسف/39، 40‏]‏‏.‏
    والشّركُ في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ممتنع، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون، وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات، فتلاعَبَ بكل قوم على قدر عقولهم، فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى؛ الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، كقوم نوح، وطائفةٌ اتخذت الأصنام على صورة الكواكب؛ التي زعموا أنها تؤثر على العالم، فجعلوا لها بيوتًا وسدنة‏.‏
    واختلفوا في عبادتهم لهذه الكواكب‏:‏ فمنهم من عبد الشمس، ومنهم من عبد القمر، ومنهم من يعبدُ غيرهما من الكواكب الأخرى؛ حتى بنوا لها هياكل، لكل كوكب منها هيكل يخصه، ومنهم من يعبدُ النار، وهم المجوس، ومنهم من يعبد البقر، كما في الهند، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبدُ القبور والأضرحة، وكل هذا بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء شيئًا من خصائص الربوبية‏.‏
    فمنهم من يزعم أن هذه الأصنام تمثل أشياء غائبة، قال ابن القيم‏:‏ ‏(‏وضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب، فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته؛ ليكون نائبًا منابه، وقائمًا مقامه‏.‏ وإلا فمن المعلوم أن عاقلًا لا ينحت خشبة أو حجرًا بيده، ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ انتهى ‏.‏
    كما أن عُبَّاد القبورِ قديمًا وحديثًا، يزعمون أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم، ويتوسطون لهم عند الله في قضاء حوائجهم ويقولون‏:‏ ‏{‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏، ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏
    كما أن بعض مشركي العرب والنصارى تصوروا في معبوداتهم أنها ولد الله، فمشركو العرب عبدوا الملائكة على أنها بنات الله، والنصارى عبدوا المسيح - عليه السلام - على أنه ابن الله‏.‏
    3 ـ الرد على هذه التصورات الباطلة
    قد رد الله على هذه التصورات الباطلة جميعًا بما يأتي‏:‏
    أ ـ ردّ على عبدة الأصنام بقوله‏:‏ ‏{‏أَفَرَأيْتُمُ الَّلاَتَ وَالعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏
    ومعنى الآية كما قال القرطبي‏:‏ أفرأيتم هذه الآلهة‏!‏ أنفعت أو ضرت؛ حتى تكون شركاء لله تعالى‏؟‏ وهل دفعت عن نفسها حينما حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهدموها‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء/69-74‏]‏‏.‏
    فقد وافقوا على أنَّ هذه الأصنامَ لا تسمعُ الدعاءَ ولا تنفعُ ولا تضر، وإنَّما عبدوها تقليدًا لآبائهم، والتقليد حجة باطلة‏.‏
    ب ـ ورد على من عبد الكواكب والشمس والقمر بقوله‏:‏ ‏{‏وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف/54‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت/37‏]‏‏.‏
    جـ ـ ورد على من عبد الملائكة والمسيح - عليهم السلام - على أنهم ولد الله - بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ‏}‏ ‏[‏الأنعام/101‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏الإخلاص/3، 4‏]‏‏.‏
    الكونُ وفطرتُهُ في الخُضُوعِ والطَّاعةِ لله
    إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه، ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره، وملائكته وجنه وإنسه؛ كله خاضع لله، مطيع لأمره الكوني، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏83‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة/116‏]‏، ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/49‏]‏، ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الحج/18‏]‏، ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏15‏]‏‏.‏
    فكُلُّ هذه الكائنات والعوالم؛ مُنقادة لله خاضعة لسلطانه؛ تجري وفق إرادته وطوع أمره، لا يستعصي عليه منها شيء؛ تقوم بوظائفها، وتؤدي نتائجها بنظام دقيق، وتنزه خالقها عن النقص والعجز والعيب، قال تعالى‏:‏ ‏{‏تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏}‏ ‏[‏الإسراء/44‏]‏‏.‏
    فهذه المخلوقات صامتها وناطقها، وحيها وميتها، كلها مُطيعةٌ لله مُنقادة لأمره الكوني، وكُلُّها تنزه الله عن النقائص والعيوب بلسان الحال، ولسان المقال‏.‏ فكلما تدبّر العاقل هذه المخلوقات؛ علم أنها خُلقت بالحق وللحق، وأنها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء عن أمر مدبرها؛ فالجميع مُقِرُّون بالخالق بفطرتهم‏.‏
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -‏:‏ ‏(‏وهم خاضعون مُستسلمون، قانتون مضطرون، من وجوه‏:‏
    منها‏:‏ علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه‏.‏
    ومنها‏:‏ خضوعُهُم واستسلامهم لما يجري عليهم من أقداره ومشيئته‏.‏
    ومنها‏:‏ دعاؤهم إياهُ عندَ الاضطرار‏.‏
    والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعًا؛ وكذلك لما يقدره عليه من المصائب، فإنه يفعلُ عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعًا؛ فهو مسلم لله طوعًا، خاضع له طوعًا ‏.‏ والكافرُ يخضع لأمر ربه الكوني، وسجود الكائنات المقصود به الخضوعُ، وسجود كل شيء بحَسَبِه، سُجودٌ يناسبه ويتضمَّنُ الخضوع للرب، وتسبيح كل شيء بحسبه حقيقةً لا مجازًا‏)‏‏.‏
    وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران/83‏]‏‏.‏
    قال‏:‏ ‏(‏فذكر سبحانه إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛ لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد التام؛ سواء أقر المقر بذلك أو أنكره؛ وهم مَدينون له مُدَبَّرون؛ فهمُ مسلمون له طوعًا وكرهًا، وليس لأحد من المخلوقات خروج عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكُهُم، يصرفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلهم، وبارئهم ومصورهم، وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع، مفطور فقير محتاج مُعبَّدٌ مقهور؛ وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور‏)‏ ‏.‏
    ‏في بيانِ منهج القرآن في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته
    منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته؛ هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة، والعقول السليمة، وذلك بإقامة البراهين الصحيحة، التي تقتنع بها العقول، وتسلم بها الخصوم، ومن ذلك‏:‏
    1 ـ من المعلوم بالضرورة أن الحادث لابد له من محدث
    هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة؛ حتى للصبيان؛ فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصره، لقال‏:‏ من ضربني‏؟‏ فلو قيل له‏:‏ لم يضربكَ أحدٌ؛ لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ حدثت من غير محدث؛ فإذا قيل‏:‏ فلان ضربَكَ، بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور/35‏]‏‏.‏
    وهذا تقسيم حاصر، ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري؛ ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة، لا يمكن جحدها، يقول‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ‏}‏ أي‏:‏ من غير خالق خلقهم، أم هم خَلَقوا أنفسهم‏؟‏ وكلا الأمرين باطلٌ؛ فتعين أن لهم خالقًا خلقهم، وهو الله سبحانه، ليسَ هُناك خالق غيره، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ‏}‏ ‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏
    ‏{‏أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الأحقاف/4‏]‏‏.‏
    ‏{‏أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏ ‏[‏الرعد/16‏]‏، ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏الحج/73‏]‏‏.‏
    ‏{‏وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/20‏]‏‏.‏
    ‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/17‏]‏‏.‏
    ومع هذا التحدي المتكرِّر لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا، ولا مجرد دعوى - فضلًا عن إثبات ذلك -، فتعيَّنَ أن الله سُبحانه هو الخالقُ وحدَهُ لا شريك له‏.‏
    2 ـ انتظام أمر العالم كله وإحكامه
    أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد، وربٌّ واحدٌ لا شريك له ولا مُنازع‏.‏
    قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏‏.‏
    فالإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله آخر، يُشاركه في مُلكه - تعالى الله عن ذلك - لكان له خلق وفعل، وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ؛ فعل‏.‏ وإن لم يقدر على ذلك، انفرد بنصيبه في الملك والخلق؛ كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه، فيحصل الانقسام‏.‏ فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور‏:‏
    أ ـ إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفردَ بالملك دونه‏.‏
    ب ـ وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه؛ فيحصل الانقسام‏.‏
    جـ ـ وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ يتصرّفُ فيهما كيف يشاء؛ فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه‏.‏
    وهذا هو الواقعُ، فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل؛ مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ، لا منازع له، وأن مالكه واحد لا شريك له‏.‏
    3 ـ تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها، والقيام بخصائصها
    فليسَ هُناك مخلوق يستعصي ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون، وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - حين سأله فرعون‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى‏}‏ أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال‏:‏ ‏{‏رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}‏ ‏[‏طه/49، 50‏]‏ أي‏:‏ ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ في جميع المخلوقات، فكلُّ مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضَارِّ عنه، حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك؛ ما يتمكن به من فعل ما ينفعه، ودفع ما يضره، وما به يؤدي مهمته في الحياة، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ‏}‏ ‏[‏السجدة/7‏]‏‏.‏
    فالذي خلق جميعَ المخلوقات، وأعطاها خلقَها الحسنَ - الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا، وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب، فالله أعطَى الخلق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولاشك أنه أعطى كل صنف شكلَه وصورتَهُ المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشّكلَ المناسبَ له من جنسه، في المناكحة والألفة والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به، وفي هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء، وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه‏.‏‏.‏‏.‏
    وفي كُـلِّ شـيءٍ لَـهُ آيـةٌ ** تَدلُّ على أنّه الواحدُ
    ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته - سبحانه - لخلقه وانفراده لذلك‏:‏ هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له؛ الذي هو توحيد الألوهية، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح؛ لم يكن مسلمًا، ولا موحدًا؛ بل يكون كافرًا جاحدًا، وهذا ما سنتحدَّث عنه في الفصل التالي - إن شاء الله تعالى -‏.‏
    بيانُ استلزامِ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ لتوحيد الأُلوهيَّة
    ومعنى ذلك أنَّ من أقرَّ بتوحيد الربوبية لله، فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبِّر للكون إلا الله - عز وجل - لزمه أن يُقرَّ بأنه لا يستحق العبادة بجميع أنواعها إلا الله سبحانه، وهذا هو توحيد الألوهية، فإنَّ الألوهية هي العبادة؛ فالإله معناه‏:‏ المعبود، فلا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاثُ إلا به، ولا يُتوَكَّلُ إلا عليه، ولا تذبح القرابين وتُنذر النذورُ ولا تُصرفُ جميعُ أنواع العبادة إلا له؛ فتوحيدُ الربوبية دليلٌ لوجوب توحيد الألوهية؛ ولهذا كثيرًا ما يحتجُّ الله - سُبحانه - على المنكرين لتوحيد الألوهية بما أقروا به من توحيد الربوبية، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة/21، 22‏]‏‏.‏

    التوحيد

    التوحيدُ‏:‏ هو إفرادُ الله بالخلق والتدبر، وإخلاصُ العبادة له، وترك عبادة ما سواه، وإثبات ما لَهُ من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وتنزيهه عن النقص والعيب؛ويشملُ أنواع التوحيد الثلاثة،توحيد الربوبية، توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. وبيانها كالتالي‏:‏
    1 ـ توحيد الربوبية
    هو إفرادُ الله تعالى بأفعاله؛ بأن يُعتقَدَ أنه وحده الخالق لجميع المخلوقات‏:‏ ‏{‏اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الزمر/62‏]‏‏.‏
    وأنه الرازق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم‏:‏ ‏{‏وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏ ‏[‏هود/6‏]‏‏.‏
    وأنه مالكُ الملك، والمدبّرُ لشؤون العالم كله؛ يُولِّي ويعزل، ويُعزُّ ويُذل، قادرٌ على كل شيء، يُصَرِّفُ الليل والنهار، ويُحيي ويُميت‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏آل عمران/26، 27‏]‏‏.‏
    وقد نفى الله سبحانه أن يكون له شريكٌ في الملك أو معين، كما نفى سُبحانه أن يكونَ له شريكٌ في الخلق والرِّزق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ‏}‏ ‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ‏}‏ ‏[‏الملك/21‏]‏‏.‏
    كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه فقال‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة/2‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف/54‏]‏‏.‏
    وقد فَطَرَ الله جميعَ الخلق على الإقرار بربوبيته؛ حتى إن المشركين الذين جعلوا له شريكًا في العبادة؛ يقرون بتفرده بالربوبية، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/86-89‏]‏‏.‏
    فهذا التوحيدُ لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم؛ بل القلوب مفطورة على الإقرار به؛ أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات؛ كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم‏:‏ ‏{‏قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم/10‏]‏‏.‏
    وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الرب فرعون، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى‏:‏ ‏{‏قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ‏}‏ ‏[‏الإسراء/102‏]‏‏.‏
    وقال عنه وعن قومه‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا‏}‏ ‏[‏النمل/14‏]‏‏.‏
    وكذلك من يُنكرُ الربَّ اليومَ من الشيوعيين؛ إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة؛ وإلا فهم في الباطن لابد أن يعترفوا أنه ما من موجود إلا وله موجد، وما من مخلوق إلا وله خالق وما من أثر إلا وله مؤثر، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ‏}‏ ‏[‏الطور/35-36‏]‏‏.‏
    تأمل العالم كله، علويه وسفليه، بجميع أجزائه؛ تجده شاهدًا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه‏.‏ فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر؛ بمنزلة إنكار العلم وجحده، لا فرق بينهما ‏[‏لأن العلم الصحيح يثبت وجود الخالق‏]‏، وما تتبجح به الشيوعية اليوم من إنكار وجود الرب؛ إنما هو من باب المكابرة، ومصادرة نتائج العقول والأفكار الصحيحة، ومن كان بهذه المثابة، فقد ألغى عقله ودعا الناس للسخرية منه‏.‏
    مفهومُ كلمةِ الربِّ في القرآن والسُّنَّة وتصوُّرات الأمم الضّالَّة
    1 ـ مفهوم كلمة الرّبِّ في الكتاب والسنة
    الرّبُّ في الأصل‏:‏ مصدرُ ربَّ يَرُبُّ، بمعنى‏:‏ نشَّأ الشيءَ من حال إلى حال إلى حال التمام، يُقالُ‏:‏ ربَّه وربَّاه وربَّبَهُ، فلفظ ‏(‏رب‏)‏ مصدر مستعار للفاعل، ولا يُقالُ‏:‏ ‏(‏الرَّبُّ‏)‏ بالإطلاق؛ إلا لله تعالى المتكفل بما يصلح الموجودات، نحو قوله‏:‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة/2‏]‏، ‏{‏رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء/26‏]‏‏.‏
    ولا يقال لغيره إلا مضافًا محدودًا، كما يقال‏:‏ رب الدار؛ وربُّ الفرس‏.‏ يعني صاحبُها، ومنه قولُه تعالى حكاية عن يوسف عله السلام‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏}‏ ‏[‏يوسف/42‏]‏ على قول في تفسير الآية‏.‏
    وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏يوسف/50‏]‏‏.‏
    وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا‏}‏ ‏[‏يوسف/41‏]‏‏.‏
    وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل‏:‏ ‏(‏حتى يجدها ربها‏)‏ ‏[‏من حديث متفق عليه‏]‏‏.‏
    فتبين بهذا‏:‏ أن الرب يطلق على الله معرفًا ومضافًا، فيقال‏:‏ الرب، أو رب العالمين، أو رب الناس، ولا تُطلق كلمة الرّبِّ على غير الله إلا مضافة، مثل‏:‏ رب الدار، ورب المنزل، ورب الإبل‏.‏
    ومعنى ‏(‏رب العالمين‏)‏ أي‏:‏ خالقهم ومالكهم، ومصلحهم ومربهيم بنعمه، وبإرسال رسله، وإنزال كتبه، ومجازيهم على أعمالهم‏.‏ قال العلامة ابن القيم رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإنَّ الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم، وجزاء مُحسنهم بإحسانه، ومُسيئهم بإساءته‏)‏ .‏
    هذه حقيقة الربوبية‏.‏
    2 ـ مفهوم كلمة الرب في تصورات الأمم الضالة
    خلق الله الخلق مفطورين على التوحيد، ومعرفة الرب الخالق سبحانه، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الروم/30‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا‏}‏ ‏[‏الأعراف/172‏]‏‏.‏
    فالإقرارُ بربوبية الله والتوجه إليه أمر فطري، والشرك حادث طارئ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلُّ مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه‏)‏ ‏[‏رواه الشيخان‏]‏، فلو خُلِّيَ العبد وفطرته لاتجه إلى التوحيد وقَبِل دعوة الرسل؛ الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، ودلّت عليه الآيات الكونية، ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة هما اللتان تغيران اتجاه المولود، ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم في الضلالة والانحراف‏.‏
    يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي‏:‏ ‏(‏خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين‏)‏ ‏[‏رواه أحمد ومسلم‏]‏ أي‏:‏ صَرَفَتْهُم إلى عبادة الأصنام، واتخاذها أربابًا من دون الله؛ فوقعوا في الضلال والضياع، والتفرق والاختلاف؛ كل يتخذ له ربًّا يعبده غير رب الآخر؛ لأنهم لما تركوا الرب الحق، ابتُلُوا باتخاذ الأرباب الباطلة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏ ‏[‏يونس/32‏]‏ والضلال ليس له حدّ ونهاية، وهو لازم لكل من أعرضَ عن ربه الحق، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ‏}‏ ‏[‏يوسف/39، 40‏]‏‏.‏
    والشّركُ في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ممتنع، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون، وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات، فتلاعَبَ بكل قوم على قدر عقولهم، فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى؛ الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، كقوم نوح، وطائفةٌ اتخذت الأصنام على صورة الكواكب؛ التي زعموا أنها تؤثر على العالم، فجعلوا لها بيوتًا وسدنة‏.‏
    واختلفوا في عبادتهم لهذه الكواكب‏:‏ فمنهم من عبد الشمس، ومنهم من عبد القمر، ومنهم من يعبدُ غيرهما من الكواكب الأخرى؛ حتى بنوا لها هياكل، لكل كوكب منها هيكل يخصه، ومنهم من يعبدُ النار، وهم المجوس، ومنهم من يعبد البقر، كما في الهند، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبدُ القبور والأضرحة، وكل هذا بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء شيئًا من خصائص الربوبية‏.‏
    فمنهم من يزعم أن هذه الأصنام تمثل أشياء غائبة، قال ابن القيم‏:‏ ‏(‏وضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب، فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته؛ ليكون نائبًا منابه، وقائمًا مقامه‏.‏ وإلا فمن المعلوم أن عاقلًا لا ينحت خشبة أو حجرًا بيده، ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ انتهى ‏.‏
    كما أن عُبَّاد القبورِ قديمًا وحديثًا، يزعمون أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم، ويتوسطون لهم عند الله في قضاء حوائجهم ويقولون‏:‏ ‏{‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏، ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏
    كما أن بعض مشركي العرب والنصارى تصوروا في معبوداتهم أنها ولد الله، فمشركو العرب عبدوا الملائكة على أنها بنات الله، والنصارى عبدوا المسيح - عليه السلام - على أنه ابن الله‏.‏
    3 ـ الرد على هذه التصورات الباطلة
    قد رد الله على هذه التصورات الباطلة جميعًا بما يأتي‏:‏
    أ ـ ردّ على عبدة الأصنام بقوله‏:‏ ‏{‏أَفَرَأيْتُمُ الَّلاَتَ وَالعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏
    ومعنى الآية كما قال القرطبي‏:‏ أفرأيتم هذه الآلهة‏!‏ أنفعت أو ضرت؛ حتى تكون شركاء لله تعالى‏؟‏ وهل دفعت عن نفسها حينما حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهدموها‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء/69-74‏]‏‏.‏
    فقد وافقوا على أنَّ هذه الأصنامَ لا تسمعُ الدعاءَ ولا تنفعُ ولا تضر، وإنَّما عبدوها تقليدًا لآبائهم، والتقليد حجة باطلة‏.‏
    ب ـ ورد على من عبد الكواكب والشمس والقمر بقوله‏:‏ ‏{‏وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف/54‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت/37‏]‏‏.‏
    جـ ـ ورد على من عبد الملائكة والمسيح - عليهم السلام - على أنهم ولد الله - بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ‏}‏ ‏[‏الأنعام/101‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏الإخلاص/3، 4‏]‏‏.‏
    الكونُ وفطرتُهُ في الخُضُوعِ والطَّاعةِ لله
    إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه، ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره، وملائكته وجنه وإنسه؛ كله خاضع لله، مطيع لأمره الكوني، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏83‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة/116‏]‏، ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/49‏]‏، ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الحج/18‏]‏، ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏15‏]‏‏.‏
    فكُلُّ هذه الكائنات والعوالم؛ مُنقادة لله خاضعة لسلطانه؛ تجري وفق إرادته وطوع أمره، لا يستعصي عليه منها شيء؛ تقوم بوظائفها، وتؤدي نتائجها بنظام دقيق، وتنزه خالقها عن النقص والعجز والعيب، قال تعالى‏:‏ ‏{‏تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏}‏ ‏[‏الإسراء/44‏]‏‏.‏
    فهذه المخلوقات صامتها وناطقها، وحيها وميتها، كلها مُطيعةٌ لله مُنقادة لأمره الكوني، وكُلُّها تنزه الله عن النقائص والعيوب بلسان الحال، ولسان المقال‏.‏ فكلما تدبّر العاقل هذه المخلوقات؛ علم أنها خُلقت بالحق وللحق، وأنها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء عن أمر مدبرها؛ فالجميع مُقِرُّون بالخالق بفطرتهم‏.‏
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -‏:‏ ‏(‏وهم خاضعون مُستسلمون، قانتون مضطرون، من وجوه‏:‏
    منها‏:‏ علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه‏.‏
    ومنها‏:‏ خضوعُهُم واستسلامهم لما يجري عليهم من أقداره ومشيئته‏.‏
    ومنها‏:‏ دعاؤهم إياهُ عندَ الاضطرار‏.‏
    والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعًا؛ وكذلك لما يقدره عليه من المصائب، فإنه يفعلُ عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعًا؛ فهو مسلم لله طوعًا، خاضع له طوعًا ‏.‏ والكافرُ يخضع لأمر ربه الكوني، وسجود الكائنات المقصود به الخضوعُ، وسجود كل شيء بحَسَبِه، سُجودٌ يناسبه ويتضمَّنُ الخضوع للرب، وتسبيح كل شيء بحسبه حقيقةً لا مجازًا‏)‏‏.‏
    وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران/83‏]‏‏.‏
    قال‏:‏ ‏(‏فذكر سبحانه إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛ لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد التام؛ سواء أقر المقر بذلك أو أنكره؛ وهم مَدينون له مُدَبَّرون؛ فهمُ مسلمون له طوعًا وكرهًا، وليس لأحد من المخلوقات خروج عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكُهُم، يصرفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلهم، وبارئهم ومصورهم، وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع، مفطور فقير محتاج مُعبَّدٌ مقهور؛ وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور‏)‏ ‏.‏
    ‏في بيانِ منهج القرآن في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته
    منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته؛ هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة، والعقول السليمة، وذلك بإقامة البراهين الصحيحة، التي تقتنع بها العقول، وتسلم بها الخصوم، ومن ذلك‏:‏
    1 ـ من المعلوم بالضرورة أن الحادث لابد له من محدث
    هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة؛ حتى للصبيان؛ فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصره، لقال‏:‏ من ضربني‏؟‏ فلو قيل له‏:‏ لم يضربكَ أحدٌ؛ لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ حدثت من غير محدث؛ فإذا قيل‏:‏ فلان ضربَكَ، بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور/35‏]‏‏.‏
    وهذا تقسيم حاصر، ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري؛ ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة، لا يمكن جحدها، يقول‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ‏}‏ أي‏:‏ من غير خالق خلقهم، أم هم خَلَقوا أنفسهم‏؟‏ وكلا الأمرين باطلٌ؛ فتعين أن لهم خالقًا خلقهم، وهو الله سبحانه، ليسَ هُناك خالق غيره، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ‏}‏ ‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏
    ‏{‏أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الأحقاف/4‏]‏‏.‏
    ‏{‏أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏ ‏[‏الرعد/16‏]‏، ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏الحج/73‏]‏‏.‏
    ‏{‏وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/20‏]‏‏.‏
    ‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/17‏]‏‏.‏
    ومع هذا التحدي المتكرِّر لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا، ولا مجرد دعوى - فضلًا عن إثبات ذلك -، فتعيَّنَ أن الله سُبحانه هو الخالقُ وحدَهُ لا شريك له‏.‏
    2 ـ انتظام أمر العالم كله وإحكامه
    أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد، وربٌّ واحدٌ لا شريك له ولا مُنازع‏.‏
    قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏‏.‏
    فالإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله آخر، يُشاركه في مُلكه - تعالى الله عن ذلك - لكان له خلق وفعل، وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ؛ فعل‏.‏ وإن لم يقدر على ذلك، انفرد بنصيبه في الملك والخلق؛ كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه، فيحصل الانقسام‏.‏ فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور‏:‏
    أ ـ إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفردَ بالملك دونه‏.‏
    ب ـ وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه؛ فيحصل الانقسام‏.‏
    جـ ـ وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ يتصرّفُ فيهما كيف يشاء؛ فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه‏.‏
    وهذا هو الواقعُ، فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل؛ مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ، لا منازع له، وأن مالكه واحد لا شريك له‏.‏
    3 ـ تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها، والقيام بخصائصها
    فليسَ هُناك مخلوق يستعصي ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون، وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - حين سأله فرعون‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى‏}‏ أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال‏:‏ ‏{‏رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}‏ ‏[‏طه/49، 50‏]‏ أي‏:‏ ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ في جميع المخلوقات، فكلُّ مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضَارِّ عنه، حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك؛ ما يتمكن به من فعل ما ينفعه، ودفع ما يضره، وما به يؤدي مهمته في الحياة، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ‏}‏ ‏[‏السجدة/7‏]‏‏.‏
    فالذي خلق جميعَ المخلوقات، وأعطاها خلقَها الحسنَ - الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا، وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب، فالله أعطَى الخلق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولاشك أنه أعطى كل صنف شكلَه وصورتَهُ المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشّكلَ المناسبَ له من جنسه، في المناكحة والألفة والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به، وفي هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء، وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه‏.‏‏.‏‏.‏
    وفي كُـلِّ شـيءٍ لَـهُ آيـةٌ ** تَدلُّ على أنّه الواحدُ
    ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته - سبحانه - لخلقه وانفراده لذلك‏:‏ هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له؛ الذي هو توحيد الألوهية، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح؛ لم يكن مسلمًا، ولا موحدًا؛ بل يكون كافرًا جاحدًا، وهذا ما سنتحدَّث عنه في الفصل التالي - إن شاء الله تعالى -‏.‏
    بيانُ استلزامِ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ لتوحيد الأُلوهيَّة
    ومعنى ذلك أنَّ من أقرَّ بتوحيد الربوبية لله، فاعترف بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبِّر للكون إلا الله - عز وجل - لزمه أن يُقرَّ بأنه لا يستحق العبادة بجميع أنواعها إلا الله سبحانه، وهذا هو توحيد الألوهية، فإنَّ الألوهية هي العبادة؛ فالإله معناه‏:‏ المعبود، فلا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاثُ إلا به، ولا يُتوَكَّلُ إلا عليه، ولا تذبح القرابين وتُنذر النذورُ ولا تُصرفُ جميعُ أنواع العبادة إلا له؛ فتوحيدُ الربوبية دليلٌ لوجوب توحيد الألوهية؛ ولهذا كثيرًا ما يحتجُّ الله - سُبحانه - على المنكرين لتوحيد الألوهية بما أقروا به من توحيد الربوبية، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة/21، 22‏]‏‏.‏
    فأمرهم بتوحيد الألوهية، وهو عبادتهُ، واحتجَّ عليهم بتوحيد الرُّبوبية الذي هو خلقُ الناس الأولين والآخرين، وخلقُ السماءِ والأرضِ وما فيهما، وتسخير الرياح وإنزالُ المطر، وإنباتُ النبات، وإخراج الثمرات التي هي رزق العباد، فلا يليق بهم أن يُشركوا معه غيره؛ ممَّنْ يعلمون أنه لم يفعل شيئًا من ذلك، ولا من غيره، فالطريق الفطري لإثبات توحيد الألوهية‏:‏ الاستدلال عليه بتوحيد الربوبية؛ فإن الإنسان يتعلق أولًا بمصدر خلقه، ومنشأ نفعه وضره؛ ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقرّبه إليه، وترضيه عنه، وتوثق الصلة بينه وبينه، فتوحيد الربوبية بابٌ لتوحيد الألوهية؛ من أجل ذلك احتجَّ الله على المشركين بهذه الطريقة، وأمر رسوله أن يحتجَّ بها عليهم، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/84-89‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ‏}‏ ‏[‏الأنعام/102‏]‏‏.‏
    فقد احتج بتفرُّدِه بالربوبية على استحقاقه للعبادة، وتوحيد الألوهية‏:‏ هو الذي خلق الخلق من أجله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الذاريات/56‏]‏‏.‏
    ومعنى ‏(‏يعبدون‏)‏‏:‏ يُفردوني بالعبادة، ولا يكون العبدُ موحدًا بمجرد اعترافه بتوحيد الربوبية؛ حتى يُقرَّ بتوحيد الألوهية، ويقومَ به، وإلا فإنَّ المشركين كانوا مُقرِّينَ بتوحيدِ الربوبية، ولم يُدخلهم في الإسلام، وقاتلهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهم يُقرُّون بأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الزخرف/87‏]‏، ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏الزخرف/9‏]‏، ‏{‏قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏يونس/31‏]‏‏.‏
    وهذا كثيرٌ في القرآن، فمن زعمَ أنَّ التوحيدَ هو الإقرارُ بوجود الله، أو الإقرار بأن الله هو الخالق المتصرف في الكون، واقتصر على هذا النوع؛ لم يكن عارفًا لحقيقة التوحيد الذي دعَتْ إليه الرسل؛ لأنه وقفَ عندَ الملزوم وترك اللازم، أو وقف عند الدليل وترك المدلول عليه‏.‏
    ومن خصائص الألوهية‏:‏ الكمالُ المطلقُ من جميع الوجوده؛ الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال، والخشية والدعاء، والرجاء، والإنابة، والتوكل والاستغاثة، وغاية الذّلِّ مع غاية الحب، كل ذلك يجب عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلًا وشرعًا وفطرةً أن يكون لغيره‏.‏

    2 ـ توحيد الألوهية
    معنى توحيدِ الألوهيَّةِ وأنه موضوعُ دعوةِ الرُّسل
    توحيدُ الألوهية‏:‏ الألوهية هي العبادة
    وتوحيدُ الألوهية هو‏:‏ إفرادُ الله تعالى بأفعال العباد التي يفعلونها على وجه التقرب المشروع، كالدعاء والنذر والنحر، والرجاء والخوف، والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة، وهذا النوع من التوحيد هو موضوع دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏}‏ ‏[‏النحل/36‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء/25‏]‏‏.‏
    وكلُّ رسول يبدأ دعوته لقومه بالأمر بتوحيد الألوهية، كما قال نوح وهود وصالح وشعيب‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف/59، 65، 73، 85‏]‏، ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ‏}‏ ‏[‏العنكبوت/16‏]‏‏.‏
    وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ‏}‏ ‏[‏الزمر/11‏]‏‏.‏
    وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏)‏ ‏[‏الحديث رواه البخاري ومسلم‏]‏‏.‏
    وأول واجب على المكلف‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله والعمل بها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ‏}‏ ‏[‏محمد/19‏]‏‏.‏
    وأول ما يؤمر به مَنْ يريد الدخول في الإسلام‏:‏ النطقُ بالشهادتين، فتبين من هذا‏:‏ أن توحيد الألوهية هو مقصودُ دعوة الرُّسل، وسُمِّي بذلك؛ لأن الألوهية وصف الله تعالى الدال عليه اسمه تعالى ‏(‏الله‏)‏، فالله‏:‏ ذو الألوهية، أي المعبود‏.‏
    ويقال له‏:‏ توحيد العبادة؛ باعتبار أن العبودية وصفُ العبد، حيثُ إنه يجبُ عليه أن يعبد الله مخلصًا في ذلك؛ لحاجته إلى ربه وفقره إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -‏:‏
    ‏(‏واعلم أن فقر العبد إلى الله‏:‏ أن يعبده لا يُشرك به شيئًا، ليس له نظير فيُقاسُ به؛ لكن يُشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة؛ فإن حقيقة العبد قلبه وروحه، وهي لا صلاحَ لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره‏.‏ ولو حَصَلَ للعبد لذّات وسرور بغير الله، فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوعٍ إلى نوعٍ، ومن شخص إلى شخص، وأما إلهه فلابد له منه في كل حال، وكل وقت وأينما كان فهو معه‏)‏ ‏‏.‏
    وكان هذا النوع من التوحيد هو موضوع دعوة الرسل؛ لأنه الأساسُ الذي تُبنى عليه جميع الأعمال، وبدون تحققه لا تصحُّ جميعُ الأعمال‏:‏ فإنه إذا لم يتحقق؛ حصل ضده، وهو الشركُ، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ‏}‏ ‏[‏النساء/48/ 116‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام/88‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزمر/65‏]‏‏.‏
    ولأن هذا النوع من التوحيد؛ هو أول الحقوق الواجبة على العبد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ ‏[‏النساء/36‏]‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ ‏[‏الإسراء/23‏]‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ ‏[‏الأنعام/151-153‏]‏ الآيات‏.‏
    في بيان معنى الشَّهادتين وما وقعَ فيهما من الخطأ
    وأركانهما وشروطهما ومقتضاهما ونواقضهما
    أولًا‏:‏ معنى الشَّهادتين
    معنى شهادة أن لا إله إلا الله‏:‏ الاعتقاد والإقرار، أنه لا يستحقُّ العبادةَ إلا الله، والتزام ذلك والعمل به، ‏(‏فلا إله‏)‏ نفي لاستحقاق من سوى الله للعبادة كائنًا من كان ‏(‏إلا الله‏)‏ إثباتٌ لاستحقاق الله وحده للعبادة، ومعنى هذه الكلمة إجمالًا‏:‏ لا معبودَ بحقٍّ إلا الله‏.‏ وخبر ‏(‏لا‏)‏ يجب تقديره‏:‏ ‏(‏بحقٍّ‏)‏ ولا يجوزُ تقديره بموجود؛ لأنّ هذا خلافُ الواقع، فالمعبوداتُ غيرُ الله موجودة بكثرة؛ فيلزم منه أن عبادة هذه الأشياء عبادة لله، وهذا من أبطل الباطل وهو مذهب أهل وحدة الوجود الذين هم أكفر أهل الأرض‏.‏ وقد فُسّرتْ هذه الكلمةُ بتفسيرات باطلة منها‏:‏
    ‏(‏ أ ‏)‏ أن معناه‏:‏ لا معبودَ إلا الله‏.‏ وهذا باطلٌ؛ لأن معناه‏:‏ أن كل معبود بحقّ أو باطل هو الله، كما سبق بيانه قريبًا‏.‏
    ‏(‏ ب ‏)‏ أن معناها‏:‏ لا خالقَ إلا الله‏.‏ وهذا جزء من معنى هذه الكلمة؛ ولكن ليس هو المقصود؛ لأنه لا يثبت إلا توحيد الربوبية، وهو لا يكفي وهو توحيد المشركين‏.‏
    ‏(‏جـ‏)‏ أن معناها‏:‏ لا حاكميّةَ إلا لله، وهذا أيضًا جزء من معناها، وليس هو المقصود؛ لأنه لا يكفي، لأنه لو أفرد الله بالحاكمية فقط ودعا غير الله أو صرف له شيئًا من العبادة لم يكن موحدًا، وكل هذه تفاسير باطلة أو ناقصة؛ وإنما نبهنا عليها لأنها توجد في بعض الكتب المتداولة‏.‏
    والتفسيرُ الصحيح لهذه الكلمة عند السلف والمحققين‏:‏
    أن يُقالَ‏:‏ ‏(‏لا معبود بحق إلا الله‏)‏ كما سبق‏.‏
    2 ـ ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله‏:‏ هو الاعتراف باطنًا وظاهرًا أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة، والعمل بمقتضى ذلك من طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبدَ الله إلا بما شرع‏.‏
    ثانيًا‏:‏ أركان الشهادتين
    أ ـ لا إله إلا الله‏:‏ لها ركنان هما‏:‏ النفي والإثبات‏:‏
    فالركن الأول‏:‏ النفي‏:‏ لا إله‏:‏ يُبطل الشرك بجميع أنواعه، ويُوجب الكُفرَ بكل ما يعبد من دون الله‏.‏
    والركن الثاني‏:‏ الإثباتُ‏:‏ إلا الله‏:‏ يثبت أنه لا يستحق العبادة إلا الله، ويُوجب العمل بذلك‏.‏ وقد جاء معنى هذين الركنين في كثير من الآيات، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ‏}‏ ‏[‏البقرة/256‏]‏‏.‏
    فقوله‏:‏ ‏(‏من يكفر بالطاغوت‏)‏ هو معنى الركن الأول ‏(‏لا إله‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ويؤمن بالله‏)‏ هو معنى الركن الثاني ‏(‏إلا الله‏)‏‏.‏
    وكذلك قولُهُ عن إبراهيمَ عليه السلام‏:‏ ‏{‏إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي‏}‏ ‏[‏الزخرف/26، 27‏]‏‏.‏
    فقوله‏:‏ ‏(‏إنني براء‏)‏ هو معنى النفي في الركن الأول، وقوله‏:‏ ‏(‏إلا الذي فطرني‏)‏ هو معنى الإثبات في الركن الثاني‏.‏
    أركان شهادة أن محمدًا رسول الله‏:‏ لها ركنان هما قولنا‏:‏ عبدُه ورسوله، وهما ينفيان الإفراطَ والتفريط في حقه صلى الله عليه وسلم فهو عبده ورسوله، وهو أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين، ومعنى العبد هنا‏:‏ المملوك العابد، أي‏:‏ أنه بشرٌ مخلوق مما خلق منه البشر؛ يجري عليه ما يجري عليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ‏}‏ ‏[‏الكهف/110‏]‏، وقد وَفَّى صلى الله عليه وسلم العبوديّة حقَّها، ومدحه الله بذلك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ‏}‏ ‏[‏الزمر/36‏]‏، ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ‏}‏ ‏[‏الكهف/1‏]‏، ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏[‏الإسراء/1‏]‏‏.‏
    ومعنى الرسول‏:‏ المبعوث إلى الناس كافة بالدعوة إلى الله بشيرًا ونذيرًا‏.‏
    وفي الشهادة له بهاتين الصفتين‏:‏ نفي للإفراط والتفريط في حقه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرًا ممن يدعي أنه من أمته أفرط في حقه، وغلا فيه؛ حتى رفعه فوق مرتبة العبودية إلى مرتبة العبادة له من دون الله؛ فاستغاث به من دون الله، وطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله؛ من قضاء الحاجات وتفريج الكربات‏.‏ والبعض الآخر جحد رسالته أو فرط في متابعته، واعتمد على الآراء والأقوال المخالفة لما جاء به؛ وتعسَّفَ في تأويل أخباره وأحكامه‏.‏
    ثالثًا‏:‏ شروط الشهادتين
    أ ـ شروط لا إله إلا الله
    لابد في شهادة أن لا إله إلا الله من سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها؛ وهي على سبيل الإجمال‏:‏
    الأول‏:‏ العلم المنافي للجهل‏.‏
    الثاني‏:‏ اليقين المنافي للشك‏.‏
    الثالث‏:‏ القبول المنافي للرد‏.‏
    الرابع‏:‏ الانقيادُ المنافي للترك‏.‏
    الخامس‏:‏ الإخلاص المنافي للشرك‏.‏
    السادس‏:‏ الصدق المنافي للكذب‏.‏
    السابع‏:‏ المحبة المنافية لضدها وهو البغضاء‏.‏
    وأما تفصيلها فكما يلي‏:‏
    الشرط الأول‏:‏ العلم
    أي العلم بمعناها المراد منها وما تنفيه وما تُثبته، المنافي للجهل بذلك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف/86‏]‏‏.‏
    أي‏:‏ ‏(‏شهد‏)‏ بلا إله إلا الله، ‏(‏وهُم يعلمون‏)‏ بقلوبهم ما شهدت به ألسنتهم، فلو نطَقَ بها وهو لا يعلم معناها، لم تنفعهُ؛ لأنه لم يعتقدْ ما تدل عليه‏.‏
    الشرط الثاني‏:‏ اليقين
    بأن يكون قائلها مستيقنًا بما تدلّ عليه؛ فإن كان شاكًّا بما تدل عليه لم تنفعه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا‏}‏ ‏[‏الحجرات/15‏]‏‏.‏
    فإن كان مرتابًا كان منافقًا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من لقيتَ وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا قلبه فبشره بالجنة‏)‏ ‏[‏الحديث في الصحيح‏]‏ فمن لم يستيقن بها قلبه، لم يستحق دخولَ الجنَّة‏.‏
    الشرط الثالث‏:‏ القبول
    لما اقتضته هذه الكلمة من عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه؛ فمن قالها ولم يقبل ذلك ولم يلتزم به؛ كان من الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ‏}‏ ‏[‏الصافات/35، 36‏]‏‏.‏
    وهذا كحال عباد القبور اليوم؛ فإنهم يقولون‏:‏ ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏، ولا يتركون عبادة القبور؛ فلا يكونون قابلين لمعنى لا إله إلا الله‏.‏
    الشرط الرابع‏:‏ الانقياد
    لما دلت عليه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى‏}‏ ‏[‏لقمان/22‏]‏‏.‏
    والعروة الوثقى‏:‏ لا إله إلا الله؛ ومعنى يسلم وجهه‏:‏ أي ينقاد لله بالإخلاص له‏.‏
    الشرط الخامس‏:‏ الصدق
    ‏:‏ وهو أن يقولَ هذه الكلمة مصدقًا بها قلبُه، فإن قالَها بلسانه ولم يصدق بها قلبُه؛ كان منافقًا كاذبًا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة/8-10‏]‏‏.‏
    الشرط السادس‏:‏ الإخلاصُ
    وهو تصفيةُ العمل من جميع شوائب الشرك؛ بأن لا يقصد بقولها طمعًا من مطامع الدنيا، ولا رياء ولا سمعة؛ لما في الحديث الصحيح من حديث عتبان قال‏:‏ ‏(‏فإنَّ الله حرّم على النار من قال‏:‏ لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله‏)‏ ‏[‏الحديث أخرجه الشيخان‏]‏‏.‏
    الشرط السابع‏:‏ المحبة
    لهذه الكلمة، ولما تدل عليه، ولأهلها العاملين بمقتضاها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة/165‏]‏‏.‏
    فأهل ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ يحبون الله حبًّا خالصًا، وأهل الشرك يحبونه ويحبون معه غيره، وهذا ينافي مقتضى لا إله إلا الله‏.‏
    ب ـ وشروطُ شهادة أنَّ محمدًا رسولُ الله هي‏:‏
    1- الاعتراف برسالته، واعتقادها باطنًا في القلب‏.‏
    2- النطق بذلك، والاعتراف به ظاهرً باللسان‏.‏
    3- المتابعة له؛ بأن يعمل بما جاء به من الحق، ويترك ما نهى عنه من الباطل‏.‏
    4- تصديقه فيما أخبر به من الغيوب الماضية والمستقبلة‏.‏
    5- محبته أشد من محبة النفس والمال والولد والوالد والناس أجمعين‏.‏
    6- تقديم قوله على قول كل أحد، والعمل بسنته‏.‏
    رابعًا‏:‏ مقتضى الشهادتين
    أ ـ مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله
    هو ترك عبادة ما سوى الله من جميع المعبودات، المدلول عليه بالنفي وهو قولنا‏:‏ ‏(‏لا إله‏)‏‏.‏ وعبادةُ الله وحده لا شريك له، المدلول عليه بالإثبات، وهو قولنا‏:‏ ‏(‏إلا الله‏)‏، فكثير ممن يقولها يُخالف مقتضاها؛ فيثبت الإلهية المنفية للمخلوقين والقبور والمشاهد والطواغيت والأشجار والأحجار‏.‏
    وهؤلاء اعتقدوا أن التوحيد بدعة، وأنكروه على من دعاهُم إليه، وعابوا على من أخلصَ العبادة لله‏.‏
    ب ـ ومقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله
    طاعتهُ وتصديقُهُ، وترك ما نهى عنه، والاقتصار على العمل بسنته، وترك ما عداها من البدع والمحدثات، وتقديم قوله على قول كل أحد‏.‏
    خامسًا‏:‏ نواقض الشهادتين
    هي نواقض الإسلام؛ لأن الشهادتين هنا هما اللتان يدخل المرء بالنطق بهما في الإسلام، والنطق بهما اعتراف بمدلولهما، والتزام بالقيام بما تقضيانه؛ من أداء شعائر الإسلام، فإذا أخل بهذا الالتزام فقد نقض التعهد الذي تعهد به حين نطق بالشهادتين‏.‏ ونواقض الإسلام كثيرةٌ قد عقد لها الفقهاء في كتب الفقه بابًا خاصًّا سموه ‏(‏باب الردة‏)‏، وأهمها عشرة نواقض ذكرها شيخ الإسلام محمدُ بنُ عبد الوهاب رحمه الله في قوله‏:‏
    1 ـ الشرك في عبادة الله، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏ ‏[‏النساء/48، 116‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ‏}‏ ‏[‏المائدة/72‏]‏‏.‏ ومنه الذبحُ لغيرِ الله؛ كالذبح للأضرحة أو الذبح للجن‏.‏
    2 ـ من جعل بينَهُ وبينَ الله وسائط؛ يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم؛ فإنه يكفر إجماعًا‏.‏
    3 ـ من لم يكفر المشركين، ومن يشكّ في كفرهم، أو صحح مذهبهم؛ كفر‏.‏
    4 ـ من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويفضلون حكم القوانين على حكم الإسلام‏.‏
    5 ـ من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم - ولو عمل به -؛ كفر‏.‏
    6 ـ من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه؛ كفر، والدليل على ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏65/ 66‏]‏‏.‏
    7 ـ السحرُ، ومنهُ الصرفُ والعطفُ ‏(‏لعله يقصد عمل ما يصرفُ الرجلَ عن حب زوجته، أو عمل ما يحببها إليه‏)‏ فمن فعله، أو رضي به؛ كفرَ، والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏البقرة/102‏]‏‏.‏
    8 ـ مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة/51‏]‏‏.‏
    9 ـ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، عليه السلام؛ فهو كافر‏.‏ قلت‏:‏ وكما يعتقده غلاة الصوفية أنهم يصلون إلى درجةٍ لا يحتاجون معها إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏
    10 ـ الإعراض عن دين الله، لا يتعلمُهُ، ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف/3‏]‏، ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة/22‏]‏‏.‏
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا فرق في جميع هذه النواقض، بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره‏.‏ وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، وأكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم أن يحذَرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذُ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه‏)‏ ‏‏‏.‏
    التشريع حق لله تعالى
    والمراد بالتشريع‏:‏ ما ينزِّلُه الله لعباده من المنهج الذي يسيرون عليه في العقائد والمعاملات وغيرها؛ ومن ذلك التحليل والتحريم، فليس لأحد أن يحل إلا ما أحله الله، ولا يحرم إلا ما حرم الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏}‏ ‏[‏النحل/116‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏ ‏[‏يونس/59‏]‏‏.‏
    فقد نهى الله عن التحليل والتحريم؛ بدون دليل من الكتاب والسنة، وأخبر أن ذلك من الكذب على الله، كما أخبر سبحانه أنَّ من أوجَبَ شيئًا أو حرَّمَ شيئًا من غير دليل؛ فقد جعل نفسه شريكًا لله فيما هو من خصائصه، وهو التشريع، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الشورى/21‏]‏‏.‏
    ومن أطاع هذا المشرِّع من دون الله وهو يعلم بذلك ووافقه على فعله، فقد أشركه مع الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام/121‏]‏‏.‏
    يعني‏:‏ الذين يُحلّون ما حرَّم الله من الميتات، مَن أطاعهم في ذلك فهو مشرك، كما أخبر سبحانه أن من أطاع الأحبار والرهبان في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحله الله؛ فقد اتخذهم أربابًا من دون الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة/31‏]‏‏.‏
    ولما سمع عديّ بنُ حاتم - رضي الله عنه - هذه الآية، قال‏:‏ يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أليسوا يُحلون ما حرَّم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ بلى، قال‏:‏ ‏(‏فتلك عبادتهم‏)‏ ‏[‏الحديث رواه الترمذي‏]‏‏.‏
    قال الشيخُ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله -‏:‏ ‏(‏وفي الحديث دليل على أنَّ طاعةَ الأحبار والرهبان في معصية الله؛ عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ بقوله تعالى في آخر الآية‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏
    ونظير ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام/121‏]‏‏.‏
    وهذا وقع فيه كثيرٌ من النَّاس مع من قلدوهم؛ لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المُقلَّد؛ وهو من هذا الشرك‏)‏ انتهى‏.‏
    فالتزام شرع الله، وترك شرع ما سواه، هو من مقتضى لا إله إلا الله، والله المستعان‏.‏
    العبادةُ‏:‏ معناها، شُمولها
    1ـ معنى العبادة
    أصل العبادة التذلل والخضوع‏.‏‏.‏
    وفي الشرع‏:‏ لها تعاريف كثيرة، ومعناها واحد‏.‏‏.‏
    منها‏:‏ أنَّ العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمرَ الله به على ألسنة رسله‏.‏
    ومنها‏:‏ أن العبادة، معناها‏:‏ التذلُّل لله سبحانه فهي‏:‏ غايةُ الذّلِّ لله تعالى مع غاية حُبّه، والتعريف الجامع لها هو أن العبادة‏:‏ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه؛ من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة‏.‏
    وهي مُنقسمة على القلب واللسان والجوارح، فالخوف والرجاء، والمحبة والتوكل، والرغبة والرهبة‏:‏ عبادة قلبية، والتسبيح والتهليل والتكبير، والحمد والشكر باللسان والقلب‏:‏ عبادة لسانية قلبية‏.‏
    والصلاة والزكاة والحج والجهاد‏:‏ عبادة بدنية قلبية، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي تجري على القلب واللسان والجوارح، وهي كثيرة‏.‏
    والعبادةُ‏:‏ هي التي خلق الله الخلق من أجلها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}‏ ‏[‏الذاريات/56-58‏]‏‏.‏
    فأخبر سبحانه أن الحكمة من خلق الجن والإنس‏:‏ هي قيامهم بعبادة الله، والله غنيٌّ عن عبادتهم، وإنما هم المحتاجون إليها لفقرهم إلى الله تعالى، فيعبدونه على وفق شريعته، فمن أبى أن يعبد الله؛ فهو مستكبر‏.‏ ومن عبده وعبد معه غيره؛ فهو مشرك‏.‏ ومن عبده وحده بغير ما شرع؛ فهو مبتدع‏.‏ ومن عبده وحده بما شرع فهو المؤمن الموحِّد‏.‏
    2 ـ أنواع العبادة وشمولها
    العبادة لها أنواع كثيرة؛ فهي تشمل كل أنواع الطاعات الظاهرة على اللسان والجوارح، والصادرة عن القلب؛ كالذكر والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن، والصلاة والزكاة والصيام، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، فهي شاملة لكل تصرفات المؤمن؛ إذا نوى بها القربة أو ما يعين عليها‏.‏ حتى العادات، إذا قصد بها التقوِّي على الطاعات، كالنوم والأكل والشرب، والبيع والشراء وطلب الرزق والنكاح، فإن هذه العادات مع النية الصالحة تصيرُ عبادات؛ يثاب عليها، وليست العبادة قاصرة على الشعائر المعروفة‏.‏
    في بيانِ مفاهيمَ خاطئةٍ في تحديد العبادة
    العبادات توقيفية
    بمعنى‏:‏ أنه لا يشرع شيء منها إلا بدليل من الكتاب والسنة، وما لم يشرع يعتبر بدعة مردودة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ ‏[‏متفق عليه‏]‏ أي مردود عليه عمله، لا يقبل منه، بل يأثم عليه؛ لأنه معصية وليس طاعة، ثم إن المنهج السليم في أداء العبادات المشروعة هو‏:‏ الاعتدال بين التساهل والتكاسل؛ وبين التشدد والغلو‏.‏ قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ‏}‏ ‏[‏هود/112‏]‏‏.‏
    فهذه الآية الكريمة فيها رسم لخطة المنهج السليم في فعل العبادات، وذلك بالاستقامة في فعلها على الطريق المعتدل؛ الذي ليس فيه إفراط ولا تفريط؛ حسب الشرع ‏(‏كما أمرت‏)‏ ثم أكد ذلك بقوله‏:‏ ‏(‏ولا تطغوا‏)‏ والطغيان‏:‏ مجاوزة الحد بالتشدد والتنطع، وهو الغلو‏.‏ ولما علم صلى الله عليه وسلم بأن ثلاثة من أصحابه تقالوا في أعمالهم، حيث قال أحدهم‏:‏ أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر‏:‏ أنا أصلي ولا أرقد، وقال الثالث‏:‏ أنا لا أتزوج النساء‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما أنا فأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني‏)‏ ‏[‏الحديث متفق عليه‏]‏‏.‏
    وهناك الآن فئتان من الناس على طرفي نقيض في أمر العبادة‏.‏
    الفئة الأولى‏:‏ قصَّرت في مفهوم العبادة وتساهلت في أدائها حتى عطلت كثيرًا من أنواعها، وقصرتها على أعمال محدودة، وشعائر قليلة تؤدى في المسجد فقط، ولا مجال للعبادة في البيت، ولا في المكتب، ولا في المتجر، ولا في الشارع، ولا في المعاملات، وفي السياسة، ولا الحكم في المنازعات، ولا غير ذلك من شئون الحياة‏.‏
    نعم للمسجد فضلٌ، ويجب أن تؤدى فيه الصلوات الخمس، ولكن العبادة تشمل كل حياة المسلم؛ داخل المسجد وخارجه‏.‏
    والفئة الثانية‏:‏ تشددت في تطبيق العبادات إلى حد التطرف، فرفعت المستحبات إلى مرتبة الواجبات، وحرَّمت بعض المباحات، وحكمت بالتضليل أو التخطئة على من خالف منهجها، وخطَّأ مفاهيمها‏.‏ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها‏.‏
    ركائز العبودية الصحيحة
    إن العبادة ترتكز على ثلاثة ركائز هي‏:‏ الحبُّ والخوفُ والرجاء‏.‏
    فالحب مع الذّل، والخوف مع الرجاء، لابد في العبادة من اجتماع هذه الأمور، قال تعالى في وصف عباده المؤمنين‏:‏ ‏{‏يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ ‏[‏المائدة/54‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة/165‏]‏‏.‏
    وقال في وصف رُسُله وأنبيائه‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء/90‏]‏‏.‏
    وقال بعض السلف‏:‏ من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ‏، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن مُوحِّد‏.‏ ذكر هذا شيخُ الإسلام في رسالة ‏(‏العبودية‏)‏ وقال أيضًا‏:‏ ‏(‏فدين الله‏:‏ عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها‏:‏ الذل‏.‏ يقال‏:‏ طريقٌ مُعبَّدٌ، إذا كان مُذللًا قد وطئته الأقدام‏.‏ لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل، ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى، بغاية الحب له، ومن خضَعَ لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدًا له، ولو أحبّ شيئًا ولم يخضع له لم يكن عابدًا له، كما يُحبُّ الرجل ولده وصديقه، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ انتهى ‏‏‏.‏
    شبَّه - رحمَهُ الله - دورانَ العبادة على المحبة والذل للمحبوب، وهو الله جل وعلا؛ بدوران الفلك على قطبيه، وذكر أن دوران فلك العبادة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما شرعه، لا بالهوى، وما تأمر به النفس والشيطان، فليس ذلك من العبادة‏.‏ فما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يدير فلك العبادة، ولا تُديره البدع والخرافات والأهواء وتقليد الآباء‏.‏
    3 ـ توحيد الأسماء والصفات
    ويتضمن ما يلي‏:‏
    أولًا‏:‏ الأدلَّةُ من الكتاب والسنة والعقل على ثبوت الأسماء والصفات‏.‏
    ثانيًا‏:‏ منهج أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته‏.‏
    ثالثًا‏:‏ الردُّ على من أنكر الأسماء والصفات، أو أنكر شيئًا منها‏.‏
    الأدلة من الكتاب والسنة والعقل على ثبوت الأسماء والصفات
    أ ـ الأدلة من الكتاب والسنة
    سبق أن ذكرنا أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ توحيدُ الرُّبوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وذكرنا جملة من الأدلة على النوعين الأولين‏:‏ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية‏.‏ والآن نذكر الأدلة على النوع الثالث‏:‏ وهو توحيد الأسماء والصفات‏.‏
    فإليك شيئًا من أدلة الكتاب والسنة‏:‏ فمن أدلة الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف/180‏]‏‏.‏
    أثبت الله سبحانه في هذه الآية لنفسه الأسماء، وأخبر أنها حُسنى‏.‏ وأمر بدعائه؛ بأن يُقال‏:‏ يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا حي يا قيوم، يا رب العالمين‏.‏ وتوعّد الذين يُلحدون في أسمائه؛ بمعنى أنهم يميلون بها عن الحق؛ إما بنفيها عن الله، أو تأويلها بغير معناها الصحيح، أو غير ذلك من أنواع الإلحاد‏.‏ توعدهم بأنه سيُجازيهم بعملهم السيئ‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏طه/8‏]‏، ‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏الحشر/22-24‏]‏‏.‏
    فدلّت هذه الآيات على إثبات الأسماء لله‏.‏
    2 ـ ومن الأدلة على ثبوت أسماء الله من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة‏)‏ ‏[‏متفق عليه‏]‏‏.‏ وليست أسماءُ الله منحصرة في هذا العدد، بدليل ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هو لَكَ، سمَّيتَ به نفسك، أو أنزلتَهُ في كتابكَ، أو علَّمتهُ أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي‏)‏ الحديث ‏[‏رواه أحمد في المسند وصححه ابن حبان - وقد دلّ على عدم حصر أسماء الله في تسعة وتسعين‏.‏ فيكون المراد بالحديث - والله أعلم - أن من تعلم هذه الأسماء التسعة والتسعين ودعا الله بها وعبده بها دخل الجنة ويكون ذلك خاصية لها‏]‏‏.‏ وكل اسم من أسماء الله، فإنه يتضمن صفة من صفاته؛ فالعليمُ يدل على العلم، والحكيم يدل على الحكمة، والسَّميعُ البصير يدلان على السمع والبصر، وهكذا كلُّ اسم يدل على صفة من صفات الله تعالى، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏سورة الإخلاص‏]‏‏.‏
    عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كانَ رجلٌ من الأنصار يؤمهم في مسجد قُباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به؛ افتتح بـ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏، حتى يفرغ منها، ثم كان يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنعُ ذلك في كل ركعة، فكلَّمهُ أصحابهُ فقالوا‏:‏ إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى‏!‏ فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال‏:‏ ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏يا فُلانُ، ما يمنعُك أن تفعلَ ما يأمرك به أصحابُك‏؟‏ وما حملَكَ على لُزوم هذه السُّورة في كل ركعة‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ إنِّي أُحبُّها، قال‏:‏ ‏(‏حبُّكَ إياها أدخَلَكَ الجنَّة‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في صحيحه‏]‏‏.‏
    وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثَ رجلًا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختمُ بـ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏سلوه‏:‏ لأي شيء يفعلُ ذلك‏)‏‏؟‏ فسألوه، فقال‏:‏ لأنها صفةُ الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أخبروه أن الله تعالى يحبه‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في صحيحه‏]‏‏.‏ يعني أنها اشتملت على صفاتِ الرَّحمن‏.‏
    وقد أخبر سبحانه أنَّ له وجهًا، فقال‏:‏ ‏{‏وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ‏}‏ ‏[‏الرحمن/27‏]‏‏.‏
    وأن له يدين، فقال‏:‏ ‏{‏لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ‏}‏ ‏[‏ص/75‏]‏، ‏{‏بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ‏}‏ ‏[‏المائدة/64‏]‏‏.‏
    وأنه يرضى ويحب ويغضب ويسخط، إلى غير ذلك مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏
    ب ـ وأما الدليل العقلي
    على ثبوت الأسماء والصفات التي دلَّ عليها الشرع فهو أن يُقال‏:‏
    1- هذه المخلوقات العظيمة على تنوعها، واختلافها، وانتظامها في أداء مصالحها، وسيرها في خططها المرسومة لها، تدل على عظمة الله وقُدرته، وعلمه وحكمته، وإرادته ومشيئته‏.‏
    2- الإنعام والإحسان، وكشف الضر، وتفريج الكربات؛ هذه الأشياء تدلّ على الرحمة والكرم والجود‏.‏
    3- والعقاب والانتقام من العصاة؛ يدلان على غضب الله عليهم وكراهيته لهم‏.‏
    4- وإكرامُ الطائعين وإثابتهم؛ يدلان على رضان الله عنهم ومحبته لهم‏.‏
    منهجُ أهل السّنَّة والجماعة في أسماء الله وصفاته
    منهج أهل السُّنَّةِ والجماعة؛ من السلف الصالح وأتباعهم‏:‏ إثباتُ أسماءِ الله وصفاته، كما وردت في الكتاب والسنة، وينبني منهجهم على القواعد التالية‏:‏
    1- أنهم يُثبتون أسماء الله وصفاته؛ كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يُحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها‏.‏
    2- يَنفونَ عنها مشابهة صفات المخلوقين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى/11‏]‏‏.‏
    3- لا يتجاوزون ما ورد في الكتاب والسنة؛ في إثبات أسماء الله وصفاته، فما أثبته الله ورسوله من ذلك أثبتوه، وما نفاهُ الله ورسولُه نفوه، وما سَكتَ عنه الله ورسوله سكَتُوا عنه‏.‏
    4- يعتقدون أنَّ نصوصَ الأسماءِ والصفات من المحكم الذي يُفهم معناه ويُفسَّر، وليست من المتشابه؛ فلا يُفَوِّضون معناها، كما يَنسبُ ذلك إليهم مَن كَذَبَ عليهم، أو لم يعرف منهجهم من بعض المؤلفين والكتاب المعاصرين‏.‏
    5- يُفوّضونَ كيفية الصفات إلى الله تعالى، ولا يبحثون عنها‏.‏
    ثالثًا‏:‏ الرّدُّ على من أنكَرَ الأسماءَ والصّفاتِ، أو أنكر بعضها
    الذين يُنكرون الأسماءَ والصفاتِ ثلاثة أصناف‏:‏
    1- الجهمية‏:‏ وهم أتباع الجهمِ بن صفوان، وهؤلاء يُنكرون الأسماء والصفات جميعًا‏.‏
    2- المعتزلة‏:‏ وهم أتباعُ واصل بن عطاء؛ الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، وهؤلاء يُثبتون الأسماءَ على أنها ألفاظ مُجرَّدة عن المعاني، وينفون الصفات كلها‏.‏
    3- الأشاعرة والماتوريدية ‏ ومن تبعهم، وهؤلاء يثبتون الأسماءَ وبعضَ الصِّفات، وينفون بعضها، والشُّبهة التي بنوا عليها جميعًا مذاهبهم‏:‏ هي الفرارُ من تشبيه الله بخلقه بزعمهم؛ لأن المخلوقين يُسَمَّون ببعضِ تلك الأسماء، ويوصفون بتلك الصفات، فيلزمُ من الاشتراك في لفظ الاسم والصفة ومعناهما‏:‏ الاشتراك في حقيقتهما، وهذا يَلزمُ منه تشبيه المخلوق بالخالق في نظرهم، والتزموا حيال ذلك أحد أمرين‏:‏
    أ ـ إما تأويلُ نصوص الأسماء والصفات عن ظاهرها، كتأويل الوجه بالذات، واليد بالنعمة‏.‏
    ب ـ وإما تفويض معاني هذه النصوص إلى الله، فيقولون‏:‏ الله أعلم بمراده منها؛ مع اعتقادهم أنها ليست على ظاهرها‏.‏
    وأول من عُرفَ عنه إنكار الأسماء والصفات‏:‏ بعضُ مشركي العرب، الذين أنزل الله فيهم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ‏}‏ ‏[‏الرعد/30‏]‏‏.‏
    وسببُ نزول هذه الآية‏:‏ أنَّ قريشًا لما سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن؛ أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم‏:‏ ‏{‏وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ‏}‏‏.‏ وذكر ابن جرير أن ذلك كان في صلح الحديبية؛ حين كتب الكاتبُ في قضية الصلح الذي جرى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏ فقالت قريش‏:‏ أما الرحمن فلا نَعرفهُ‏.‏
    وروى ابنُ جرير أيضًا عن ابن عباس‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ساجدًا يقول‏:‏ ‏"‏يا رحمن يا رحيم‏"‏ فقال المشركون‏:‏ هذا يَزعمُ أنه يدعو واحدًا، وهو يدعو مثنى‏.‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏الإسراء/110‏]‏‏.‏
    وقال تعالى في سورة الفرقان‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ‏}‏ ‏[‏الفرقان/60‏]‏‏.‏
    فهؤلاء المشركون هُم سلف الجهمية، والمعتزلة والأشاعرة، وكل من نفى عن الله ما أثبتَهُ لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته‏.‏ وبئسَ السلف لبئس الخلف‏.‏
    والرد عليهم من وجوه‏:‏
    الوجه الأول‏:‏
    أن الله سبحانه وتعالى أثبتَ لنفسه الأسماءَ والصفاتِ، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، فنفيُها عن الله أو نفي بعضِها‏:‏ نفيٌ لما أثبته الله ورسوله، وهذا محادة لله ورسوله‏.‏
    الوجه الثاني‏:‏
    أنه لا يلزم من وجود هذه الصفات في المخلوقين، أو من تسمِّي بعض المخلوقين بشيء من تلك الأسماء المشابهة بين الله وخلقه، فإن لله سبحانه أسماءً وصفات تخصه، وللمخلوقين أسماء وصفات تخصهم، فكما أن لله سبحانه وتعالى ذاتًا لا تشبه ذوات المخلوقين، فله أسماء وصفات لا تشبه أسماءَ المخلوقين وصفاتهم، والاشتراك في الاسم والمعنى العام لا يوجب الاشتراك في الحقيقة، فقد سمَّى الله نفسَهُ عليمًا، حليمًا، وسمَّى بعض عباده عليمًا، فقال‏:‏ ‏{‏وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الذاريات/28‏]‏ يعني إسحاق، وسمى آخر حليمًا، فقال‏:‏ ‏{‏فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏الصافات/101‏]‏ يعني إسماعيل، وليسَ العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم، وسمَّى نفسه فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء/58‏]‏ وسمَّى بعض عباده سميعًا بصيرًا، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا‏}‏ ‏[‏الإنسان/2‏]‏، وليس السميعُ كالسَّميع ولا البصيرُ كالبصير‏.‏
    وسمَّى نفسه بالرؤوف الرحيم فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحج/65‏]‏، وسمَّى بعضَ عباده رؤوفًا رحيمًا، فقال‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة/128‏]‏، وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيمُ كالرَّحيم‏.‏
    وكذلك وصف نفسَهُ بصفاتٍ، ووصَفَ عباده بنظير ذلك، مثل قوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة/255‏]‏ فوصف نفسَهُ بالعلم، ووصف عباده بالعلم، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا‏}‏ ‏[‏الإسراء/85‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏يوسف/76‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏}‏ ‏[‏القصص/80‏]‏، ووصف نفسه بالقوة فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ‏}‏ ‏[‏الحج/40‏]‏، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}‏ ‏[‏الذاريات/58‏]‏، ووصف عبادهُ بالقوة فقال‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً‏}‏ ‏[‏الروم/54‏]‏، إلى غير ذلك‏.‏
    ومعلومٌ أن أسماء الله وصفاته تخصه وتليق به، وأسماء المخلوقين تخصهم وتليق بهم، ولا يلزمُ من الاشتراك في الاسم والمعنى الاشتراك في الحقيقة؛ وذلك لعدم التماثل بين المُسَمَّيين والمصوفين، وهذا ظاهر، والحمد لله‏.‏
    الوجه الثالث‏:‏
    أنَّ الذي ليس له صفات كمال، لا يصلح أن يكون إلهًا؛ ولهذا قال إبراهيم لأبيه‏:‏ ‏{‏لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ‏}‏ ‏[‏مريم/42‏]‏‏.‏
    وقال تعالى في الرد على الذين عبدوا العجل‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا‏}‏ ‏[‏الأعراف/148‏]‏‏.‏
    الوجه الرابع‏:‏
    أنَّ إثباتَ الصفات كمالٌ، ونفيها نقص، فالذي ليس له صفات، إما معدومٌ وإما ناقص، والله تعالى مُنزّه عن ذلك‏.‏
    الوجه الخامس‏:‏
    أنَّ تأويلَ الصّفاتِ عن ظاهرها لا دليلَ عليه، فهو باطلٌ، وتفويض معناها‏؟‏ يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم معناه‏؟‏ وأمرنا بتدبر القرآن كله، فكيفَ يأمرنا بتدبر مالا يُفهم معناه‏؟‏
    فتبين من هذا أنه لابد من إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله، مع نفي مشابهة المخلوقين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى/11‏]‏‏.‏
    فنفى عن نفسه مُماثلة الأشياء، وأثبت له السمع والبصر، فدل على أن إثبات الصفات لا يلزم منه التشبيه، وعلى وجوب إثبات الصفات مع نفي المشابهة، وهذا معنى قول أهل السنة والجماعة في النفي والإثبات في الأسماء والصفات‏:‏ إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل‏.‏

    طباعة المقال

     
      مكتبة التوحيد  
     

  • كتب التوحيد
  • كتب العقيدة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الزكاة
  • كتاب الحج
  • فتاوى ابن تيمية
  • كتب محمد بن عبد الوهاب
  • البداية والنهاية
  • مفتاح الجنة
  • حصن المسلم
  • التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام
  • نور الإخلاص
  • عقيدة أهل السنة والجماعة
  • حقيقة دعوة محمد بن عبد الوهاب
  • المذاهب والفرق المخالفة للسنة
  • قصص الأنبياء والرسل
  • سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
  • فتاوى الشيخ إبن عثيمين
  • الكفارة في الإسلام
  • IS ALLAH (S.W) ONE OR THREE
  • IS THE OLD TESTAMENT GOD’S WORD
  • The Promised Prophet of the Bibl
  • اللـه جل جلاله واحــد أم ثلاثــة
  • تعَرَّف على الإســلام
  • دلائل النبوة
  • هـل افتـدانا المسيح على الصليـب
  • هل العهد الجديـد كلمة اللـه؟
  • هـل بشَّر الكتاب المقدس بمـحـمـّ
  • دليل مختصر ومصور لفهم الإسلام
  • WAS JESUS CRUCIFIED FOR OUR ATON
  • دمعة على التوحيد
  • ما يجب أن يعرفه كل مسلم ومسلمة
  • BECOME ACQUAINTED WITH ISLAM
  •  
     
    ( وإلهُكُم إلهٌ واحدٌ لا إله إلاّ هُوَ الرحمنُ الرحيم (163)) البقرة  |  ( اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ الحيُّ القيّومُ لا تأخُذُهُ سِنَةٌ و لا نومٌ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ منْ ذا الذي يشفعُ عندهُ إلاّ بإذنِهِ يعلَمُ ما بينَ أيديهِم وما خَلْفَهُمْ و لا يُحيطونَ بشيءٍ منْ عِلْمِهِ إلاّ بما شاء وسِعَ كُرْسِيُّهُ السمواتِ والأرضَ و لا يؤودُهُ حِفْظُهما و هُو العليُّ العظيم (255) البقرة  |  ( الم (1) اللهُ لا إلهَ إلاّ هو الحيُّ القيّومُ (2) نزّلَ عليْكَ الكتابَ بالحقِّ مُصدِّقاً لِما بيْنَ يديْهِ وأنزل التوراةََ والإنجيلَ (3) منْ قبلُ هُدىً للنّاس و أنزَلَ الفُرقانَ إنَّ الذينَ كفروا بآياتِ اللهِ لهُم عذابٌ شديدٌ واللهُ عزيزٌ ذو انتقام (4) ) آل عمران  |  ( إنّ اللهَ لا يَخْفى عليْهِ شيءٌ في الأرض و لا في السماءِ (5) هو الذي يُصوِّرُكُم في الأرحامِ كيفَ يشاءُ لا إلهَ إلاّ هو العزيزُ الحكيمُ(6)) آل عمران  |  ( شَهدَ اللهُ أنَّه لا إله إلا هو والملائكةُ وأولوا العلم قائماً بالقسطِ لا إلهَ إلا هوَ العزيزُ الحكيمُ (18) إنَّ الدينَ عندَ اللهِ الإسلامُ ) آل عمران  |  ( اللهُ لا إلهَ إلا هُو لَيَجْمَعَنَّكُم إلى يوم القيامةِ لا ريبَ فيه ومَنْ أصدَقُ مِنَ اللهِ حديثاً (87)) النساء  |  ( ذلِكُمُ اللهُ ربُّكُمْ لا إلهَ إلاّ هُوَ خالِقُ كلِّ شيءٍ فاعبدوه وهو على كلِّ شيءٍ وكيل (102))الأنعام  |  ( إتّبِعْ ما أوحِيَ إليك منْ ربِّكَ لا إله إلاّ هو وأعرِضْ عنِ المشركين (106)) الأنعام  |  ( قُل يا أيُّها الناسُ إنّي رسولُ اللهِ إلَيْكُم جميعاً الذي لَهُ مُلْكُ السمواتِ والأرضِ لا إله إلاّ هُو يُحيي و يُميتُ فآمنوا باللهِ ورسولِهِ النبيِّ الأمّيِّ الذي يُؤمنُ باللهِ و كلماتهِ و اتَّبِِعوهُ لعلّكم تَهتدون (158)) الأعراف  |  ( و ما أمِرُوا إلاّ ليَعْبُدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانَهُ عمّا يُشرِكون (31)) التوبة  |  ( فإن تولّوا فَقُلْ حسبِيَ اللهُ لا إله إلاّ هو علَيْه توكّلْتُ وهو ربُّ العرشِ العظيم (129))التوبة  |  ( حتّى إذا أدركَهُ الغَرَقُ قال آمنْتُ أنّه لا إله إلاّ الذي آمنتْ بِهِ بنو إسرائيلَ وأنا من المسلمين(90 )) يونس  |  ( فإن لَّم يستجيبوا لَكُم فاعلمَوا أَنَّما أُنْزل بعلمِ اللهِ وأَن لا إلهَ إلا هُو فهل أنتم مسلمون(14)) هود  |  ( وَهُمْ يكفُرون بالرّحمن قلْ هُوَ ربّي لا إلهَ إلا هُوَ عليهِ توكلْتُ وإليه متاب (30)) الرعد  |  ( ُينزّلُ الملائكةُ بالروح من أمره على من يشاءُ من عبادِهِ أنْ أنْذِروا أنَّه لا إله إلا أنا فاتقون (2)) النحل  |  ( وإنْ تَجْهَرْ بالقولِ فإنَّهُ يعلَمُ السرَّ وأَخْفى(7) اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ لَهُ الأسماءُ الحُسْنى(8)) طه  |  ( وأنا اختَرْتُك فاستَمِعْ لِما يوحى(13) إنني أنا اللهُ لا إلهَ إلاّ أنا فاعْبدْني وأقِمِ الصلاةَ لِذكِرى (14)) طه  |  ( إنما إلهُكُمُ اللهُ الذي لا إلهَ إلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ علماً) (98)) طه  |  ( وَما أَرْسلنا مِنْ قَبْلِكِ مِنْ رَسولٍ إلاّ نوحي إليهِ أَنَهُ لا إلهَ إلاّ أَناْ فاعبُدُون(25)) الأنبياء  |  (وذا النونِ إذ ذهبَ مُغاضباً فظَنَّ أَنْ لَنْ نقدِرَ عليهِ فنادى في الظُلماتِ أنْ لا إله إلاّ أنتَ سُبحانك إنيّ كنتُ من الظالمين(87)) الأنبياء  |  (فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ لا إله إلاّ هُوَ ربُ العرشِ الكريم(116)) المؤمنون  |  (ويعلم ما تُخفون وما تُعلنون (25)الله لا إله إلا هو رَبُ العرش العظيم(26)) النمل  |  (وَهُوَ اللهُ لا إله إلا هُوَ لَهُ الحمدُ في الأُولى والآخرةِ ولَهُ الحكُم وَإليهِ تُرْجعون(70)) القصص  |  (ولا تَدْعُ مع اللهِ إلهاً آخرَ لا إلهَ إلاّ هوَ كلُّ شيءٍ هالِكٌ إلاّ وَجْهَهُ لَهُ الحكمُ وإليه تُرجَعون(88)) القصص  |  (يا أيُها الناسُ أذكُروا نعمةَ اللهِ عليكُمْ هَل مِنْ خالقٍ غيرُ اللهِ يرزُقُكُم مِنَ السماءِ و الأرض لا إله إلاّ هُوَ فأنّى تُؤفَكون(3)) فاطر  |  ( إنّهم كانوا إذا قيلَ لَهُم لا إله إلاّ اللهُ يستكبرون (35)) الصافات  |  ( ذلِكُمُ اللهُ ربُّكُمْ لَهُ الملكُ لا إله إلاّ هو فأنّى تُصْرَفون(6)) الزمر  |  ( حم (1) تنزيلُ الكتابِ مِنَ اللهِ العزيز العليمِ (2) غافِر الذنبِ وقابِلِ التوبِ شديدِ العقابِ ذي الطَوْلِ لا إله إلاّ هو إليهِ المصير(3)) غافر  |  ( ذلِكُمُ اللهُ ربُكُمْ خالِقُ كُلِّ شيءٍ لا إله إلاّ هو فأنّى تُؤفَكون (62)) غافر  |  ( هو الحيُ لا إله إلاّ هو فادعوهُ مُخلِصينَ لَهُ الدينَ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين (65)) غافر  |  ( ربِّ السمواتِ و الأرضِ و ما بينهما إنْ كُنْتُم موقِنين (7) لا إله إلاّ هُو يُحيي و يُميتُ ربُكُمْ و ربُ آبائِكُمُ الأوّلين (8)) الدخان  |  ( فاعلَمْ أنَّهُ لا إله إلاّ اللهُ و استغفِرْ لِذَنْبِكَ و للمؤمنينَ والمؤمِناتِ و اللهُ يعْلَمُ مُتقلّبَكُمْ و مثواكُم ( 19)) محمد  |  ( هُو اللهُ الذي لا إلهَ إلاّ هُوَ عالِمُ الغيبِ و الشهادةِ هُوَ الرحمنُ الرحيمُ (22) هو اللهُ الذي لا إله إلاّ هو المَلِكُ القدّوسُ السلامُ المُؤمنُ المُهيْمِنُ العزيزُ الجبّارُ المُتكبِّرُ سبحانَ اللهِ عمّا يُشركون (23) هُوَ اللهُ الخالِقُ الباريءُ المُصوِّرُ لهُ الأسماءُ الحسنى يُسبِّحُ لهُ ما في السمواتِ و الأرضِ و هو العزيزُ الحكيم(24)) الحشر  |  ( اللهُ لا إله إلاّ هُوَ و على اللهِ فلْيَتََوكّل ِ المُؤمِنون (13)) التغابن  |  ( ربُ المشْرِقِ و المَغْرِبِ لا إله إلاّ هو فاتخذْهُ وكيلاً (9))المزمل  |  -بـــــــــــــــــــــسم الله الرحمن الرحــــــــــــــيم-  |  { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون } [الأحقاف 5 ]  |  { يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد } [الحج 12 ]  |  { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } [سبأ 22 ]  |  { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين } [يونس 106 ]  |  { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } [الزمر 38 ]  |  { قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا } [ الفرقان 18 ]  |  { ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } [ الزمر 3 ]  |  { أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير } [الشورى 9 ]  |  { وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل } [الشورى 46 ]  |  { من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم } [الجاثية 10 ]  |  { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين } [الجاثية 19 ]  |  { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } [البقرة 107 ]  |  { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب } [البقرة 165 ]  |  { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم } [المائدة 76 ]  |  { قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين } [الأنعام 56 ]  |  { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين } [الأنعام 71 ]  |  { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } [الأعراف 37 ]  |  { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } [الأعراف 194 ]  |  { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } [يونس 18 ]  |  { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون } [هود 113 ]  |  { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } [النحل 20 ]  |  { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } [النحل 73 ]  |  { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا } [مريم 48 ]  |  { ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } [الفرقان 17 ]  |  { ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا } [الفرقان 55 ]  |  { قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } [الأحزاب 17 ]  |  { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } [الزمر 43 ]  |  { وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل } [الشورى 46 ]  |  { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا } [الكهف 102 ]  |  { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار } [الرعد 16 ]  |  { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } [ الأعراف 30 ]  |  { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون } [ هود 113 ]  |  { ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا } [ الإسراء 97 ]  | 
    www.altawheed.net